- اسدحديثهعضو جديد
- عدد الرسائل : 39
العمر : 37
المحافظة/المدينة : حديثه _محافضه الانبار
الوظيفة : موضف حكومي
المزاج :
الجنس :
الجنسية :
MoBiLe :
07814121615
:
الخبرة :
تاريخ التسجيل : 12/09/2010
البطاقة الشخصية
الاسم الحقيقي: ابويقين الشمري
الحان واشجان
الأربعاء 13 أكتوبر 2010, 20:19
[]ألحـان وأشـجاني
الملخص:
هو اللهو واللغو والباطل والزور والمكاء والتصدية ورقية الزنى وقرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب والصوت الأحمق والصوت الفاجر وصوت الشيطان ومزمار الشيطان والسمود.
أسماؤه دلت على أوصافه تبا لذي الأسماء والأوصاف
المحاضرة:
الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار.. الحمد لله الذي كرم الإنسان ورفع له المقدار.. وأصطفى من عباده المتقين الأطهار. ووفقهم للطاعات وصرفهم عن المنكرات.. وأعد لهم عقبى الدار.. أحمده سبحانه، فهو الذي خلق المنطق واللسان.. وأمر بالتعبد وطاعة الرحمن.. ونهى عن الغيبة ومنكر البيان.. فسبحانه من إله عظيم، يأمر وينهى ويفعل ما يشاء وينصب الميزان.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقب الليل والنهار. ونسأل الله أن يجعلنا من أمته، وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته..
أما بعد، أيها الإخوة والأخوات:
فهذه ألحان جرت إلى أشجان، وضحكات انقلبت إلى حسرات، وجلسات غمرت بالويلات. إنها عبرات أنشرها بين يدي أقوام تعلقت قلوبهم بالمعازف والألحان، وهاجت لها أحاسيسهم وتعلقت بها نفوسهم. أبعثها إليهم لأني أعلم أنهم مؤمنون موحدون، تشتاق نفوسهم إلى الجنات، ويعظمون رب الأرض والسموات.. هم خلان لنا وأحباب، بل إخوان لنا وأصحا. نرجو أن يجمعنا الله بهم في الجنات. ولئن كان الشيطان قد تغلب عليهم تارة، فهم أهل أن يغلبوه تارات. ولكن ماذا أقول؟ وبماذا أبدأ؟. نعم، ماذا أقول عن الغناء؟ صوت العصيان، وعدو القرآن ومزمار الشيطان، الذي يزمر به فيتبعه أولياءه. ماذا أقول عن الغناء؟ وهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن..
فلو رأيتهم عند سماع الغناء! وقد علت منهم الأصوات، وهاجت منهم الحركات، يتمايلون تمايل السكران، ويتكسرون تكسر النسوان.. وكم من قلوب هناك تمزق، وأموال في غير طاعة الله تنفق.. قضوا حياتهم لذة وطربا، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا. ماذا أقول عن الغناء؟ وما أدمن عليه عبد، إلا استوحش من القرآن والمساجد، وفر عن كل راكع وساجد، وغفل عن ذكر الرب المعبود، واستأنس بأصوات النصارى واليهود، وابتلي بالقلق والوساوس، وأحاط به الضيق والهواجس.
فسل ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا..
وحاذر ان شغلت به سهاما مريشة بأهداب المنــايا..
اذا ما خالطت قلبا كئيبا تمزق بين أطباق الرزايا..
ويصبح بعد أن قد كان حرا، عفيف النفس، عبدا للصبايا.
ماذا أقول عن الغناء؟ وقد تغلب على بعض العقول وطغى، وزاد في الضلال وبغى.. فلو سألت بعض الناس اليوم عن النبي عليه الصلاة والسلام، عن سنة من سننه، أو هدي من هديه، أو طريقة منامه أو استيقاظه وأكله، لقال لك لا أدري. نعم! ومن أين له أن يدري، وهو يعكف على هذه الأغاني آناء الليل وأطراف النهار. يدري عن المغنية فلانة: كيفية أكلها، لون ثوبها، مقاس حذائها، عدد حفلاتها، أسماء ملحنيها.. ويدري عن المغني فلان: عن سيارته، عدد أشرطته، ألحان أغنياته.. وكأن أحدهم عالم جليل! أو داعية نبيل! وما خلق الله العباد لأجل غناء وفساد، وإنما خلقهم ليعبدوه، ويحموا الدين وينصروه. ومن عاش عيش المؤمنين ورفع راية الدين، لم يلتفت إلى شيئ من ذلك. نعم، لم يلتفت إلى رقص راقص، ولم يستفزه عزف عازف، بل أدرك سر وجوده في الحياة، فعاش لأجله ومات. وانظر إلى الذين يعيشون للإسلام، يحيون من أجله ويموتون من أجله.. يسكبون دماءهم فداء له.. أقوام صالحون فضلاء، طلقوا الدنيا وخافوا الفتن، بذلوا لربهم حياتهم وأنفقوا له أموالهم، وأذلوا بين يديه جباههم وفارقوا لأجله أوطانهم، يأخذ ربهم من دمائهم، يغسل بها سيئاتهم، ويطيب حسناتهم. وانظر إلى صهيب الرومي، رضي الله تعالى عنه، كان من أول من أسلم في مكة، فازداد عليه عذاب المشركين وأذاهم، كما ازداد على إخوانه المؤمنين. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، اشتاق صهيب إلى أن يهاجر إليه. فلما شكت قريش في أمره، جعلوا عنده من يحرسه بالليل والنهار. يخرج معه في نهاره ويبيت عنده في ليله. فلما كان في إحدى الليالي، اشتاق أن يخرج إلى المدينة، وأن يصلي مع المسلمين ويذكر الله مع الذاكرين، لكنه لا يستطيع مع وجود هؤلاء الحرس حوله، فلما نام تلك الليلة، تصنع أمام الحرس أنه يريد الخلاء، فخرج معه بعضهم يحرسه. خرج إلى خلائه، فلبث قليلا كأنه يقضي حاجته ثم رجع. فلبث قليلا في فراشه، ثم قام كأنه يريد الخلاء، فقام معه الحرس، ثم عاد، فلبث قليلا ثم قام كأنه يريد الخلاء، فلما
قام أربع مرات أو خمسا، قال بعضهم لبعض:"إن اللات والعزى قد شغلته ببطنه الليلة، فلا عليكم أن لا تقوموا معه"، فقام بعدها، مرة ومرتين وثلاثا، فلم يقوموا وراءه.. حتى إذا أمنوا أنه سيرجع إليهم، خرج في المرة السابعة أو الثامنة، ثم لازال هاربا من مكة خارجا منها، فلما أبطأ عليهم، نظر بعضهم إلى بعض، قالوا " قوموا التمسوا خبره!"، فخرجوا إليه إلى موضع خلائه فلم يجدوه.. فعلموا أنه قد احتال عليهم ، فخرجوا وركبوا على خيولهم، ثم أدركوه على حدود مكة.. فلما رآهم مقبلين عليه ، رضي الله تعالى عنه، رقى على ثنية جبل، ثم نثر أربعين سهما بين يديه، ثم أخذ سهما منها ووضعه في كبد القوس ثم شده وصاح بهم وقال:" يا معشر قريش!! قد علمتم أني أصوبكم رميا، ووالله لا يصل إلي رجل منكم إلا وقد وضعت في صدره سهما! فماذا تريدون مني بعد ذلك إذا قتلت منكم أربعين رجلا؟"، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا:"قد صدقكم الرجل"، فقال" هل لكم في شيئ خير من ذلك؟"، قالوا: "نعم"، قال: "أدلكم على موضع أموالي في مكة، فتذهبون إليها، فتأخذونها وتدعونني أذهب بنفسي إلى المدينة"، قالوا له" نعم"، قال:" فاذهبوا إلى بيت كذا وكذا، فاحفروا تحت أسكفة الباب، تجدون مالا، خذوه، واذهبوا إلى فلانة، فإن عندها حللا لي، خذوها. واذهبوا إلى فلان، فإن عنده مالا لي، خذوه.." ولازال يبين لهم مواضع ماله في مكة، حتى نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنه لبيع رابح أن نأخذ هذا المال!"، ثم مضوا إلى مكة، ومضى هو رضي الله تعالى عنه إلى المدينة. لازال يحمله الشوق ويحدوه الأمل في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فترك ماله وترك ذلك الوطن، وذلك المال الذي جمعه بكد الليل وتعب النهار، لكنه مع ذلك، مادام دينه قد سلم، فالأمر عند ذلك أهون. حتى إذا وصل إلى المدينة، أقبل إلى مسجدها ودخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام مقبلا أشار إليه ثم قال:"ربح البيع أبا يحي، ربح البيع أبا يحي، ربح البيع أبا يحي!"(مستدرك الحاكم)[1]، ثم جلس وأنزل الله تعالى فيه قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207). أنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة. ولماذا لا يكون جزاؤه كذلك، وهو الذي لم يلتفت إلى لهو ومعازف، ولم يدنس دينه ولم يقارف، وإنما سمت نفسه إلى سماع كلام الرحمن والتقلب في الجنان، قال الله عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(الحديد: 12)، وعند أحمد بسند حسن، عن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه يوما، وذكر الحديث، وفيه أنهم لما برزوا خارجين من المدينة، إذا براكب يوضع نحوهم، فصوب النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم التفت إلى أصحابه وقال: ""كأن هذا الراكب إياكم يريد"،فلم يلبث أن وقف هذا الراكب على البعير بين أيديهم، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين أقبلت؟"،قال: "أقبلت من أهلي وولدي وعشيرتي"، قال: "فأين تريد؟"،قال: " أريد المدينة، أريد هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي"، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أصبته"،فابتهج الرجل وتهلل وجهه، قال" أنت رسول الله؟"، قال: "نعم"،قال" يا رسول الله، علمني ما الإيمان؟"، قال: "أن تشهد أن لا إلهإلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وأتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت"، قال الرجل: "قد أقررت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله". فما كاد الرجل يتم إقراره بالإسلام، حتى تحرك به بعيره، فدخلت يد البعير في جحر جرذان، فهوى البعير وهوى الرجل من فوقه، فوقع على هامته.. ومازال ينتفض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "علي بالرجل!"، فوثب إليه عمار وحذيفة، فأقعداه فلم يقعد، حركاه فلم يتحرك، كلماه فلم يجب، قال: ا"يا رسول الله، قُبض الرجل"، مات.. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ثم أعرض عنه فجأة، ثم التفت إلى حذيفة وعمار وقال: "أما رأيتما إعراضي عن الرجل؟"،قالا: "بلى"، قال: "فإني رأيت ملكين يدسان في فمه من ثمار الجنة، فعلمت أن الرجل قد مات جائعا""(مسند احمد).
نعم، أقوام عرفوا للخالق حقه وصدقوا في حبه، وتنعموا بقربه، وشكروا له نعمته.. كلما ازدادت نعم الله عليهم، ازدادوا بفضله شكرا، وله حبا وتعبدا. أقبل رجل إلى ابراهيم بن أدهم، قال: "يا إمام، إن نفسي تدفعني إلى المعاصي، فعظني موعظة"، قال ابراهيم: "إذا دعتك نفسك إلى معصية الله، فاعصه ولا بأس عليك.."، قال:" سبحـان الله، أعصي الله!!!"، قال: "نعم، إذا دعتك نفسك إلى المعصية، اعصِِ ولا بأس عليك، ولكن لي عليك خمسة شروط"، قال: "وما هي؟"، قال له ابراهيم: "إذا أردت أن تعصي الله، فاختبئ في مكان لايراك الله فيه"، قال الرجل: " سبحان الله!! كيف أختفي عنه وهو الذي لا تخفى عليه خافية!"، قال ابراهيم: "سبحان الله! ألا تستحي أن تعصي الله وهو يراك!"، فسكت الرجل ثم قال: "زدني" قال ابراهيم: "إذا أردت أن تعصي الله، فلا تعصه فوق أرضه"، قال الرجل:"سبحــان الله، وأين أذهب وكل ما في الكون له!"، قال ابراهيم: " ألا تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه!"، قال الرجل: " زدني"، قال ابراهيم" إذا أردت أن تعصي الله، فلا تأكل من رزقه"، قال الرجل: " سبحـــــان الله، وكيف أعيش وكل النعم من عنده؟"، قال ابراهيم: " ألا تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك!"، قال الرجل: "زدني"، قال ابراهيم: " فإذا عصيت الله، ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار، فلا تذهب معهم"، قال الرجل:" سبحـــــان الله، وهل لي قوة عليهم؟؟ إنما يسوقونني سوقا"، قال ابراهيم: "فإذا قرأت عليك ذنوبك من صحيفتك، فأنكر أن تكون فعلتها"، قال الرجل: " فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون، وهل أصدق ويكذبون...!"، ثم بكى الرجل وهو يقول: "أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون؟". نعم، هؤلاء أقوام تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان، وتعلقوا بنعيم الجنان، لم يفلح الشيطان في جرهم إلى شهوات ولا مجالس منكرات.. زمّر الشيطان لهم فلم يتبعوه، وصاح بهم فلم يجيبوه، فصاروا من عباد الله المخلصين. واستمع إلى ما حكاه الله عز وجل عن الشيطان لما عصى أمر الرحمن وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام، فطرده الرب من الجنان، وحكم عليه بالنيران، فحقد الشيطان على آدم وذريته، وقال لرب العالمين: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء: 62)،ثم قال الله عز وجل{قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا}(الإسراء: 63)ثم بيّن الله تعالى الطرق التي يضل بها الشيطان بني آدم، فقال عز وجل:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}(الإسراء: 64)،وصوت الشيطان هو الغناء، يحضر معه الشيطان، ويغلب على الإنسان. فما بالك إذا اقترن بكلمات رقيقة! وألحان صفيقة! فهو أهل عند ذلك أن يغلب على الألباب. طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يرسل إليه رسولا عاقلا، فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاني، فلما أقبل الباقلاني على مجلس الملك، أمروه أن يدخل راكعا، فأبى عليهم، قال: "والله لا أركع إلا لله"، عندها دخلوا على الملك وقالوا له:"يا أيها الملك، إن الرجل أبى أن يدخل بين يديك راكعا، وإن رآه الناس غير راكع، استخفوا بأمرك"، فقال لهم الملك: "أدخلوه من الباب الآخر"، وكان بابا صغيرا لابد لمن أراد أن يدخل منه أن يحني رأسه، فلما أقبلوا به على ذلك الباب، فهم مرادهم، فولى الباب ظهره ودخل يمشي القهقرة على قفاه. ثم اعتدل ووقف أمام الملك. فلما رأى الملك فطنته وعقله، أمر عازفا عنده أن يضرب بآلة معه، وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها وطرب واهتز. فلما ضرب العازف بآلته وسمعها الباقلاني، التفت إلى الناس فإذا هم يتمايلون! فلما رأى ذلك، مال على إصبع يده أو رجله واجتهد حتى جرحه ونزف منه الدم، فأشغله ألم الجرح عن السماع، خوفا من تسلط الشيطان..! ورأت عائشة رضي الله عنها رجلا يحرك رأسه طربا يمنة ويسرة فقالت" أُفْ، شيطان! شيطان! أخرجـوه!!". نعم، صوت الشيطان هو الغناء. ألا ترى أنه يثير الغرائز والآثام؟ ويدعو إلى الإختلاط وأنواع الحرام.. ولعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا.. وكم من حر صار به عبدا للصبيان والصبايا.. وكم من غيور تبدل به اسما قبيحا بين البرايا.. وكم من غني أصبح به فقيرا بعد المطارف والحشايا.. وكم من معافى أحل به أنواع البلايا... بالله عليكم أيها العقلاء، هل سمعتم مغنيا غنى يوما عن التحذير من الزنى وشرب المسكرات؟؟ هل سمعتم مغنيا غنى يوما عن الأمر بغض البصر والعفة عن الشهوات؟؟ أو في حفظ أعراض المسلمين؟ أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين؟؟ كلا.. والله ما سمعنا بشيئ من ذلك، بل يبدأ أغنيته بقوله"يا حبيبي" "يا بعد روحي"، ثم يصف الخد والقد، والعينين والوجنتين، وهذا ظاهر لكل من تأمل في الأغاني، بل ظاهر لكل من نظر الى أسماء الأغاني، أغنية بعنوان "آه يا زين"،
وأخرى" آخر غرام"، وثالثة "الهوى ما هو كلام"، ورابعة "ليلة مع حبيبي"، "سألت علي بحبها" "يا أهل الهوى" "آه يا ويلي"... وما تكاد تسمع فيها إلا الحب والغرام، والعشق والهيام، مع ما فيها من فتنة الرجال بأصوات النساء! وفتنة النساء بأصوات الرجال! ومع ما فيها من تغنج ودلال.. وإنك لتعجب وتعجبين، إذا علمت أن قول الله تعالى للمؤمنات:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}(النور:31)،معناه أن لا تضرب المرأة الأرض برجلها بقوة وهي تلبس خلاخل في قدميها، حتى لا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون.. عجبا! إذا كان سماع الرجل صوت حلي المرأة حراما! فما بالك بمن تغني وتتمايل، وترفع صوتها بالضحكات والهمسات.. كيف بمن تتكسر في صوتها؟؟ وتتميع في كلامها؟ تتأوه وتتغنج، فتثير الغرائز والشهوات، وتدعو إلى الفواحش والمنكرات، وهذا كله من إشاعة الفاحشة في اللذين آمنوا، وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ما هو جزاءهم؟، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النور: 19)، وهذا الوعيد في الذين يحبون فقط، مجرد محبة، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة. فكيف بمن يعمل على اشاعتها!؟، لذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الغناء رقية الزنى"، أي هو طريقه ووسيلته.. عجبا!! هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات، لما كان الغناء بالدف والشعر الفصيح، ويقول ابن مسعود هو رقية الزنى!! ليس فيه رقصات ولا لمسات ولا همسات، ويقول رقية الزنى! فماذا يقول ابن مسعود لو رآى زماننا هذا!!! وقد تنوعت الألحان وكثر أعوان الشيطان.. أصبحت الأغاني تسمع في البر والبحر، والسيارات والطائرات، والمطارات وألعاب الأطفال وأجهزة الجوال... فالغناء والله هو رقية الزنى، وداعية الخنى، ومزمار الفساد وضلال العباد. ذكر ابن خزامة في التوابين، أن رجلا عابدا، مر يوما ببيت، فسمع جارية تغني داخل البيت، فوسوس إليه الشيطان، فبطّأ خطاه ليسمع. فرآه صاحب الدار، فخرج إليه ثم قال: "هل لك أن تدخل فتسمع؟"، قال: "أعوذ بالله". فلم يزل به حتى وافق وقال: "أقعدني في موضع لا أراها فيه ولا تراني"، قال صاحب الدار: "نجعل بينكما سترا."، فدخل وجلس خلف الستر، فتغنت وتغنجت، وتأوهت وضربت بسلاح الشيطان، فأعجبته واشتاق إليها، فقال صاحب الدار: "هل أكشف الستر؟"، قال:"لا!!"، فلم يزل به حتى كشفه فرآها! فاجتمعت فتنة السمع والبصر، فلم يزل يسمع غناءها حتى شغفت به وشغف بها، فأصبح في كل يوم يستمع إليها، وافتضح أمره وأمرها.. فلما تمكن الشيطان منه ومنها، قالت له يوما: "أنا والله أحبك!"، قال:" وأنا أحبك.."، فدعته إلى الفاحشة، وقالت: "ما يمنعك! فوالله إن الموضع لخال"، فانتفض وقال: "بلى، ولكني لا آمن أن أفاجأ بالقضاء، ثم بجمر كاللظى، ثم بسياط وزقوم، وتهويل ورجوم"، ثم نهض من عندها وعيناه تذرفان، فلم يرجع إليها بعد. فانظر كيف كاد يهلكه
الشيطان بسماع المعازف والألحان. وقال علي ابن الحسين: " كان لنا جار من المتعبدين، قد برز في الاجتهاد، صلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه وسألوه أن يتزوج حتى تسري عنه الزوجة قليلا.. فخشي أن يتزوج حرة فتشغله عن طاعة ربه، فاشترى جارية يقضي منها وطره، وكانت مغنية وهو لا يعلم. فبينما هو ذات يوم في محرابه يصلي، رددت الجارية أبياتا ولحنتها ورفعت بالغناء صوتها! فسمعها وهو في محرابه، فطار صوابه، وثقلت عليه صلاته فقطعها. فأقبلت الجارية عليه، قالت:" يا مولاي، قد أبليت شبابك، وأتعبت حياتك ورفضت لذاتك، فلو سمعت غنائي وتمتعت بشبابي؟"، فمال إلى قولها واشتغل باللذات عما كان فيه من الصلوات، فبلغ ذلك بعض أصحابه العباد، فكتب إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة القرآن والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية، بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وميتم الأولاد والبنات. فكأنه قد جاءك على غرة، فأبكم منك اللسان، وهدّ منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واستوحشك الأهل والجيران"، ثم طوى الكتاب وبعثه مع غلام عنده. دخل عليه الغلام، فناوله الكتاب، وهو في مجلس سروره وغناءه، فلما قرأ الكتاب، انتفض وغص بريقه، ونهض مبادرا من مجلس سروره.. وكسر آنيته وهجر مغنيته، وتاب من الغناء، وتعبد لرب الأرض والسماء. فلما مات، رآه صاحبه في المنام، قال:" يا فلان، ما فعل الله بك؟"، فقال: " قدمنا على رب كريم، أباحنا الجنات بما فيها". نعم، أباحه الجنات بما فيها.. وكم من شاب تعلق قلبه بمغنية فاجرة، يهتز فؤاده كلما سمع صوتها أو رأى صورتها.. وكم من فتاة عفيفة، سمعت مطربا فاجرا، فاشتاقت إلى صوته وصورته.. ولا تعجب إذا رأيته أو رأيتها يعلقون الصور، ويجمعون الأشرطة، والقلب يهوى ويتمنى..
فيا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت
لا تعجبن، فهكذا يجني الغناء على القلوب
بل قد قرن النبي عليه الصلاة والسلام بين الغناء والخمر والزنى، فقال فيما رواه البخاري"ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر- يعني الزنى-والحرير والخمر والمعازف"(صحيح البخاري)[2]،ومعنى يستحلون، أنهم يفعلون هذه المحرمات فعل المستحل لها، بحيث يكثرون منها ولا يتحرجون من فعلها، أو أنهم يبحثون عمن يفتيهم بحِلها. وصح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه وشق جيوب"(سنن الترمذي)[3]،فسمى الغناء صوتا أحمقا فاجرا لأنه لأهل الحمق والفجور. وسئل ابن مسعود عن قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}(لقمان:6)، قيل: " ما هو لهو الحديث؟"، فقال: " والله الذي لا إلهإلا هو إنه الغناء"، وصدق ابن مسعود وإن لم يقسم. وسئل محمد ابن الحنفية عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (الفرقان: 72)، قيل له: "ما هو الزور؟"، قال: "هو الغناء، لأنه يميل بك عن ذكر الله"، وقال تعالى لكفار قريش: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (النجم: 59-61)، قال ابن عباس: "سامدون أي مغنون"، تقول العرب"اسمد لنا"، أي غنِّ لنا. ووصف الله تعالى أحوال عباد الأصنام عند البيت الحرام، فقال عز وجل {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً}(الانفال:35)،والمكاء والتصدية نوع من المعازف، وهو التصفيق والتصفير. ومن عظم خطر الغناء، توعد النبي عليه الصلاة والسلام سماع المعازف بالمسخ والقذف، فروى الترمذي بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ"، قيل: "يا رسول الله، متى؟"، فقال: "إذا ظهرت القينات والمعازف واستحلت الخمر،وقال صلى الله عليه وسلم:"ليكونن من أمتي أقوام يشربون الخمر ويعزف على رؤوسهم بالقيان، يمسخهم الله قردة وخنازير"،والقيان جمع قينة وهي المرأة المغنية. سيعاقب الله هذه الأمة بما عاقب به الأمم من قبلنا، أن يخسف الله بهم الأرض أو يمسخهم قردة وخنازير، أو تنزل عليهم حجارة من السماء، فمتى يكون ذلك؟، يكون إذا ظهرت المعازف وانتشرت وكثرت، وها هي آلات المعازف لا تكاد تحصى عددا، بل هاهي مدارس العزف والموسيقى تنتشر في كثير من بلاد المسلمين، وهاهن المغنيات، المائلات المميلات، يحركن الشهوات، بل هاهم الأعداء يفتكون بأرواح الثكالى ويعبثون بأعراض العذارى، وفريق من قومنا في لهوه وطربه، لا يجاهد مع مجاهدين، ولا يهتم بأمر المسلمين.
العزف والرقص والمزمــار عدتنـــــا..
والخصـــم عدتـه علـــم وآلات..
تقـود أمتــنا بالحـــرب غانيــــة..
والجيش في الحـــرب قد ألهته مغـناة..
كـم بددوا المــال هدرا في مباذلـــهم..
وفي ليــــالي الخنى ضاعت مروئــات..
نعم ، هذا شكل الغناء. ولم يبق إلا أن يتحقق الوعيد في الخسف والمسخ والقذف بالحجارة والحديد. ومن تتبع الكتاب والسنة، وجد أن للغناء أسماء عدة، كلها تدل على ضلاله، فهو اللهو واللغو والباطل والزور والمكاء والتصدية ورقية الزنى وقرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب والصوت الأحمق والصوت الفاجر وصوت الشيطان ومزمار الشيطان والسمود.
أسمــاءه دلــــــــت على أوصافه..
تبــــا لذي الأسمـــاء والأوصاف..
وقد تكاثر وتواتر كلام الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار في التحذير من الغناء. ففي المسند أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج يوما في حاجة، فمر بطريق فسمع زمارة راع، فوضع اصبعيه في
أذنيه حتى جاوزه... فقل لي بالله عليك، أزمارة راع أولى بالتحريم والترك، أم هذا الغناء الذي يتغنجفيه المطرب والمطربة، فيفتن القلوب ويشغل الأرواح عن علام الغيوب!!؟. وقال عمر ابن عبد العزيز لأبناءه: "أحذركم الغناء، أحذركم الغناء، أحذركم الغناء! فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن". وكتب إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك، بُغض الملاء التي مبدأها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن. وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: "يا ابن عباس، أرأيت الغناء، أحلال هو أم حرام؟"، رجل يسأل عن غناء الأعراب في البوادي، الذي ليس فيه معازف، وليس فيه تصوير ولا (فديو كليب) ولا لباس عار ولا رقصات فاتنة ولا رقصات ماجنة! غناء الأعراب في البدو.. "هل يجوز يا ابن عباس؟"،"هل هو حلال أم حرام؟"، فقال ابن عباس: "أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟"، فقال الرجل" يكون مع الباطل"، فقال ابن عباس: "فماذا بعد الحق إلا الضلال!، اذهب فقد أفتيت نفسك". أما أبو بكر، فكان يسمي الغناء مزمار الشيطان. وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء، فقال: "ما يفعله عندنا إلا الفساق". وسئل الإمام أحمد عن الغناء فقال: " الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني"، والشافعي سماه دياثة وأبو حنيفة أفتى بالتحريم.فالغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن، نعم، كيف لا وهو يحرك النفوس إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان وهما في القبائح فرسا رهان. فإذا سمعه أحد قل حياءه وفرح به شيطانه واشتكى إلى الله إيمانه وثقل عليه قرآنه، وتراه يميل برأسه ويهز بمنكبه ويضرب الأرض برجليه ويصفق بيديه، وتارة يتأوه تأوه الحبيب وتارة يصرخ كالمجانين، كما قال أحدهم لصاحبه:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على طيب الغناء إلى الصباح..
ودارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح..
فلم تر فيهم إلا سكارى سرورا، والسرور هناك صاح..
إذا نادى أخ اللذات فيهم أجاب اللهو حي على السفاح..
ولم نملك سوى المهجات شيئا أرقناها لألحاظ الملاح..
نعوذ بالله من هذه الأحوال. وقال يزيد بن الوليد"يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يذهب الحياء ويزيد الشهوة ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين، فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنى". وسمع سليمان بن عبد الملك -الخليفة- صوت غناء يوما،
فغضب وأحضر المغنين وقال: "إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة!"، يعني الذكر من الخيل يصهل فتسمعه الأنثى فتستعد للوطئ،" وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة، وإنّ التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة.."، ثم أمر بخصائهم ليحمي منهم النساء. وقال بعض السلف: "الغناء يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والخبث في قوم، والرقة -أي الميوعة- في قوم". بل كان العقلاء يترفعون عن الغناء، قال معمر ابن المثنى: "رحل الحطيئة الشاعر مع بناته، فجاور قوما من بني كلب، فخافوا أن يرى منهم شيئا يكرهه فيهجوهم، فأتوه فقالوا: "يا أبا مليكة، إنه قد عظم حقك علينا بتخطيك القذى إلينا، فامرنا بما تحبه فنأتيه، وامرنا بما تكره فننهيه"، فقال"لا تأتوني كثيرا، فتملوني، ولا تسمعوني أغاني شفيفاتكم، فإن الغناء رقية الزنى"، يعني وإن عندي بنيات.
لذا أجمع العلماء على تحريم الغناء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإنهم متفقون- أي الأئمة الأربعة- على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه"، وقد حكى الإجماع على تحريم المعازف الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي وابن القيم وابن حجر الهيثمي وغيرهم. فهل بعد هذه الأقوال من قول في اباحة هذه الآفة؟؟ هل يؤخذ بعد ذلك قول أحد إلا أن يكون الدافع إلى ذلك الهوى والشهوة؟؟ نعوذ بالله من زيغ الهوى وتحكم الشهوات. أما الغناء اليوم، فهو والله أعظم وأطم، يقترن بالتصوير الفاضح للبغايا والمومسات، فما من مطرب إلا ويترنح حوله نفر من الراقصات، وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال، يتراقصون ويتمايلون.. فمن يجيز مثل هذا يا أمة الإسلام؟؟ من يجيز مثل هذا الإختلاط والسفور والرقص وتعرية النحور!!، إضافة إلى شرب الخمور والمسكرات في أغلب الأوقات، فلا يحلو الطرب والغناء إلا به، مع العري الفاضح والحضور الواضح للراقصات المحترفات والبغايا السافلات، وانتهاء هذه الحفلات غالبا يكون بجريمة الزنى. حتى وإن خلت هذه الحفلات من شرب الخمر ومن الإختلاط والزنى، فلا تخلو غالبا من إنفاق الأموال الطائلة في هذه المعصية للمطربين والمنظمين والعازفين، وايجار الصالات وتكاليف الحفلات، ظلمات بعضها فوق بعض، والله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}(الاسراء:27). فهل غناء السابقين أولى بالتحريم أم غناء اليوم؟؟ ابن عباس يحرم الغناء، ابن مسعود يحذر منه، جابر بن عبد الله يصفه باللهو، مسحول، مجاهد، ابن تيمية، ابن القيم، العلماء المعاصرون، كلهم يحذرون منه، كلهم يحرمونه. فبقول من تقتنع إن لم تقتنع بقول هؤلاء؟؟ وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه خادم اسمه أنجشة، يحدو للإبل لتسرع في سيرها، أي ينشد الأشعار الراقية الفصيحة بلحن لتسمعه الإبل فتنشط للمسير. وكان حسن الصوت، فلما حدا ورفع صوته، خشي النبي صلى الله عليه وسلم
على النساء آخر القافلة، فالتفت إليه ثم قال: "يا أنجشة، رويدك يا أنجشة، رفقا بالقوارير"، يعني النساء. قال ابن القيم: "والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب، أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وتفشت فيهم واشتغلوا بها، إلا سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالقحط والجذب وولاة السوء".
فدع صاحب المزمار والدف والغنـا..
وما اختاره عن طاعة الله مذهبا..
ودعـه يعش فـي غيه وضلالــه..
على تنتنا يحيى ويبعث أشيبــا..
وفي تنتنا يـوم المــعاد تسـوقـه..
إلى الجنة الحمراء يدعى مقربــا..
سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع..
وعند الوزن ما خف أو ربـا..
ويعلم ما قد كـان فيه حيـــاته..
إذا حصلت أعماله كلها هبــا..
دعــاه الهدى والغي من ذا يجيبه..
فقال لداعي الغي أهلا ومرحبـا..
وأعرض عن داعي الهدى قائلا له..
هواي إلى صوت المعازف قد صبا..
يراع ودف بالغناء وراقـــص..
وصوت مغن صوته يقنصالظبى..
إذا ما تغنـى فالضبــاء تجيبــه..
إلى أن تراها حوله تشبه الذبى..
فما شئــت من صيد بغير تطـارد..
ووصل حبيب كان بالهجر عذب..
فيا آمري بالرشد، لو كـنت حاضرا..
لكان تواري اللهو عندك أقرب..
أما كلمات الأغاني، فهي أعجب! فيها من المحادة لله ورسوله، ومن الشرك الأكبر والأصغر ومن التعدي على الرسل الكرام والإعتراض على رب العالمين وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، الشيئ الكثير.. وهو يسمع ويذاع. فقد لحنوا الكفر الصريح، كما في قصيدة الشاعر النصراني الذي يقول: "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت، وسأبقىسائرا فيه شئت هذا أم أبيت، كيف جئت، كيف أبصرت طريقي؟، لست أدري". وتقول قائلتهم في أغنيتها" لبست ثوب العيش ولم أُستشر"- يعني خلقني ربي ولم يستشرني قبل أن يخلقتي-، والله يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ}(القصص:68).
كما أنهم يصرحون بعبادة المحبوب ولأجله يعيشون في الدنيا، بل إنهم يقولون أنهم ما خلقوا في هذه الدنيا إلا من أجله. قال قائلهم: "عشت لك وعلشانك"، والله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). وتجد من المغنين من يصرح أثناء أغنيته بعبادة المحبوب، كقول أحدهم"أعشق حبيبي، واعبد حبيبي"، وآخر يقول: "أنا أعبدك"، وآخر يقول في أغنيته"الحب بالشرع فرض على الجميع ارتياده!" "قلت المحبة عندي لو تعلمين عبادة"، وبعضهم ينافي ويضاد ويكذب على رب العباد، يقول أحدهم في أغنيته: "الله أمر- بالصلاة والصوم؟؟لا، بقراءة القرآن؟؟؟لا..- الله أمر لعيونك أسهر!"، سبحان الله،
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(الاعراف:28).أما اعتداؤهم على أنبياء الله ورسله، فاسمع إلى أحدهم وهو يصف أثناء أغنيته موقفه لما فارقه محبوبه وكيف كان حزنه عليه، يقول أثناء الأغنية: "صبرت صبر أيوب، وأيوب ما صبر صبري"، اعتداء فاحش على ذاك النبي الذي ابتلاه الله سنوات طويلة فصبر، حتى قال الله عنه{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(ص:44)، أما الإعتراض على القضاء والقدر ولوم رب العالمين، فلهم فيه النصيب الأوفر.. يقول قائلهم في أغنيته: "ليه القسوة ليه؟ ليه الظلم ليه؟ ليه يا رب ليه؟"، هكذا! يتهم الله عز وجل بالقسوة والظلم، وهذا المغني هو الآن تحت أطباق الثرى.. الله أعلم ماذا يفعل به، نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة. ومنهم من يصرح أنه مستعد للذهاب إلى جهنم مادام مع محبوبته! وكأن الجنة والنار تحت تصرفه. يقول أحدهم في أغنيته: " يا تعيش واياي في الجنة، يا أعيش واياك في النار، بطلت أصلي وأصوم، بدي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلاوأنا وياك". وآخر يقول في أغنيته:"علشانك انتِ أنكوي بالنار وألقح جثتي، وأدخل جهنم وأقول يا لهوتي". وثالث يقول في أغنيته: "خديلك الجنة واعطيني النار، مادام هذا كل ما تشتهينه". ومغنون يستهزؤون بالعبادات والصلوات كقول أحدهم: "صوتك ذكرياتي وعدتي وصلاتي!". بل حتى منزلة الشهداء اللذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، ادعوا الوصول إليها بالغناء، كما يقول أحدهم: "يا ولدي، قد مات شهيدا من مات فداءا للمحبوب!". بل لهم مخالفات في العقيدة، كقول أحدهم: " جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب، قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب"، اشتمل هذا الكلام على جلوس هذا الفاجر مع امرأة كاهنة مشعوذة تقرأ الفنجان وتدعي علم الغيب، بل اشتمل على الكذب على الله في أنه كتب الحب على هذا الرجل. وفي أغانيهم من الإستغاثة بغير الله ونداء الأموات الشيئ الكثير. يقول قائلهم وهو يصف لما فارقه المحبوب وماذا فعل، يقول: "فقلت مدد يا نبي مدد"، أما الحلف بغير الله فهو كثير، كقولهم في أغانيهم: "وحياتك وحياة عينيك"، وآخر يقول في أغنيته، "ماقدرش على كده ومقام السيدة"، يحلف بقبر السيدة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"(مسند أحمد).ويشيع عند المغنين سب الدهر والساعة والزمان والعمر، كقولهم: "الله يلعن اليوم، ملعونة الساعة"، وقول الآخر: "كتاب حزين كله مآسي، جابني في زمن غدار قاسي" والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تسبوا الدهر"(صحيح مسلم)[4].ثم هم يعتدون على ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال أحدهم في أغنيته: "الفرح مسطر غلط مكتوب" يعني أن الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ غلط! كان سيكتب فرحا وكتب حزنا. وتأمل في قول كوكب الشرق وهي تغني وتقول: "ما أضيع اليوم الذي مر بي -من غير أن أصلي وأصوم؟ لا، من غير أن أتقرب إلى الله؟ لا...- تقول: " ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى وأن أعشق"، تتحسر على اليوم الذي مر بها دون أن تهوى وأن تعشق!! وفي بعض الأغاني استخفاف بالقبر والموت، هذا مطرب مشهور يقول في احدى أغنياته: "أوصي أهلي وخلا ني حين أموت، يضع في قبري ربابة وعود"، بل منهم من يكفر فيستهزئ بالقرآن، ويغني بكلام الرحمن، ويضرب عليه بمزمار الشيطان! بعضهم قد يغني السورة كاملة، كما غنى بعض فجارهم سورة الزلزلة! ومنهم من غنى سورة الكافرون!! ومنهم من غنى سورة الفاتحة... وأحيانا يدخلون بعض الآيات خلال الأغنية، كقول أحدهم في أغنيته: "حبك سقر وما أدراك ما سقر". وكل هذا الكلام مسجل في أشرطة. هذا بعض ما يقال، أيها العقلاء. لقد اعتدى هؤلاء المغنون على الشريعة، وما أبقوا عزيزا إلا أذلوه، ولا غاليا إلا لطخوه. أصلا أيها العقلاء، لو تأملتم من الذي يكتب كلمات الأغاني، من الذي يكتبها؟، ابن تيمية؟؟ ابن القيم؟ ابن باز؟ ابن العثيمين؟ الألباني!!، كتب كلماتها في الغالب شاعر فاجر، إما عاشق ماجن أو فاسق خائن أو ضال لا يسجد لله سجدة.. وقد يكتب الكلمات نصراني ويلحنها يهودي ويعزف عليها بوذي ويغنيها فاجر أو فاجرة. وإن شئت فانظر إلى أشرطة الغناء، واقرأ أسماء المغنين، ستجد من بينهم نصارى، سواء من نصارى العرب أو غيرهم، وستجد لا دينيين، وستجد فجرة كفرة، لا يصلون ولا يعظمون الدين. ولولا الحرج والله لذكرت لكم بعض أسمائهم. أيها الأحبة الفضلاء، هذه أحوال الغناء وأهله، طرب ومزمار وفضائح وأسرار، وغفلة بالليل والنهار. ومما يعين المرء على التوبة من الغناء، وطاعة رب الأرض والسماء، الرغبة في دار أخرى، فيها متع عظيمة، والتفكر في السماع في دار القرار فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه، منعه من الاستمتاع هناك. قال صلى الله عليه وسلم:"من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"[5].
فلا يكاد يجمع للعبد بين لذائذ الدنيا المحرمة ولذائذ الآخرة الدائمة، فمن تلذذ في الدنيا بشرب الخمر ولبس الحرير وسماع الغناء، خشي عليه أن يحرم من هذا كله في الآخرة. ومن تعلقت نفسه بالجنات وما أعد الله فيها من المتع، هانت عليه جميع متع الدنيا، قال الله تعالى{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}(الروم: 14-15)، يحبرون: الحبرة هي اللذة والسماع. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام، فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الأغصان بكل لهو كان في الدنيا. وقال محمد بن المنكدر: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ أين اللذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك. ثم يقول للملائكة أسمعوهم تمجيدي وتحميدي". قال ابن عباس"
ويرسل ربنا ريحا تهز دوائب الأغصـــــــان..
فتثيرأصواتا تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان..
يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيـدان..
وأهل لذياك السماع فانه ملئت له الأذنان بالإحسان..
وا هل لذياك السماع وطيبه من مثل أقمار على أغصان..
وأهل لذياك السماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان..
وأهل لذياك السماع ولم أقل ذياك تصغيرا له بلسـان..
وقال شهر بن حوشر رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه يقول للملائكة إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من أجلي، فأسمعوا عبادي"، قال: "فيأخذون بأصوات من تسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط"، ولهم سماع أعلى من هذا كله، يضمحل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وسلامه عليهم وخطابه ومحاضرته لهم، ويقرأ عليهم كلامه فإذا سمعوه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك،
فنزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغناء عن هذه الألحان..
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا يا ذلة الحرمان..
ان اختيارك للسماع النازل أدنى على الأعلى من النقصان..
والله، ان سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان..
والله، ما انفك الذي هو دأبه أبدا من الإشراك بالرحمن..
فالقلب بيت الرب جل جلاله حبا واخلاصا مع الإحسان..
فاذا تعلق بالسماع أصاره عبدا لكل فلانة وفلان..
حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعان..
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقيده بشرائع الإيمان..
واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وانما القرآن قوت القلب أنا يستوي القوتان
يا لذة الفساق نفس كلذة الأبرار في عقل ولا قرآن..
فيا سامع الغناء، أيها المؤمن الموحد {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16).
يا سامع الغناء{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} (الأنفطار: 6-.
يا سامع الغناء{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور: 52-51).
يا سامع الغناء{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (البقرة: 281).
يا سامع الغناء تصور نفسك وأنت بين زملا ئك في لهو وطرب وإعراض ولعب، وفجأة خسف الله بكم الأرض أو مسخكم قردة وخنازير، كما توعد النبي عليه الصلاة والسلام أهل الغناء، فما موقفك؟، ما مصيرك؟، كيف يكون جوابك عند الجبار جل جلاله وأنت على هذا الحال؟
يا سامع الغناء، أرأيت لو سلب الله سمعك فصرت تقعد بين الناس، لا تدري عنهم إذا تكلموا، ولا تفهم مرادهم إذا ضحكوا، تتلفت بينهم بعينيك أو تشير لهم بيديك،{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6-7).
يا سامع الغناء أين المؤمنون {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2)، أين الذين إذا سمعوا حكم الله ذلوا وأطاعوا وأذعنوا وانصاعوا، أما تخشى سوء الخاتمة فتلقى الله سامعا أو مغنيا أو عازفا؟، وكم من أحد والله مات وهو يردد الأغاني. ذكر ابن القيم أن رجلا من أهل الغناء والمعازف حضرته الوفاة، فلما اشتد به نزع روحه قيل له :"قل لا إلهإلا الله"!!، فجعل يردد أبياتا من الغناء، فأعادوا عليه التلقين "يا فلان قل لا إله الا الله"، فجعل يردد الأغاني، فلما ثقل لسانه عن ترديد الكلمات، جعل يردد الألحان، يقول" تنتنا، تنتنا، تنتنا"، حتى خرجت روحه من جسده وهو إنما يلحن ويغني. وأما في عصرنا، قيقول أحد العاملين في أمن الطرق "كانت مهنتي الأمن ومراقبة السير، تعودت على مشاهدة الحوادث والمصابين. ذات يوم، كنت في دورية أراقب الطريق ومعي أحد الزملاء، وفجأة سمعنا صوت ارتطام قوي، التفتنا فإذا سيارتان قد ارتطمتا وجها لوجه بشكل مروع. أسرعنا لإ نقاذ المصابين. حادث لا يوصف، في السيارة الأولى شخصان في حالة خطيرة، أخرجناهما من السيارة والدماء تسيل منهما وهما يصيحان ويتأوهان. وضعناهما على الأرض. أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية، وجدناه قد فارق الحياة. عدنا للشخصين فإذا هما في حالة احتضار، هب زميلي يلقنهما الشهادة، اقترب منهما يقول"قولا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله" وهما يئنان ويتأوهان وصاحبي يردد: "لا إله إلا الله" وهما لا يستجيبان. حتى إذا بدأ بهما النـزع واشتد شهيقهما بدآ يرددان كلمات من الأغاني.. لم أستطع أن أتحمل الموقف، بدأت أنظر إليهما وأنتفض وصاحبي يكرر عليهما، يرجوهما: " قولا لا إله إلا الله" وهما على حالهما، حتى بدأ صوت الغناء يخف شيئا فشيئا.. سكت الأول، تبعه الثاني، لا حراك، فارقا الحياة. حملناهما إلى السيارة مع الميت الأول، أخذنا نسير بهؤلاء الموتى الثلاثة، وصاحبي مطرق لا يتكلم. فجأة التفت الي ثم حدثني عن الموت وحسن الخاتمة وسوئها، ثم وصلنا إلى المستشفى وأنزلنا الموتى ومضينا إلى سبيلنا. أصبحت بعدها كلما أردت أن أسمع الأغاني، برزت أمامي صورة الرجلين وهما يودعان الدنيا بصوت الشيطان. وبعد ستة أشهر وقع حادث عجيب، شاب يسير بسيارته سيرا عاديا، تعطلت سيارته في أحد الأنفاق، نزل من سيارته لإصلاح احدى العجلات. عندما وقف خلف السيارة لينزل العجلة السليمة، جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف، فسقط الشاب مصابا إصابات بالغة.. اتصل بعض الناس بنا، فتوجهت مع أحد زملائي إلى موقع الحادث سريعا، شاب في مقتبل العمر ممدد على الأرض عليه مظاهر الصلاح، إصاباته بالغة. حملناه معنا في السيارة، وكنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة كما فعل زميلي الأول.. عندما حملناه سمعناه يهمهم بكلمات تخالطها أنات وآهات.. لم نفهم منه شيئا، أسرعنا إلى المستشفى، بدأت كلماته تتضح، إنه يقرأ القرآن بصوت ندي! التفتنا إليه فإذا هو يرتل في خشوع وسكون، سبحان الله، الدم قد غطى ثيابه وقد تكسرت عظامه بل هو على ما يبدو على مشارف الموت.. أسرعنا المسير جدا، استمر يقرأ بصوت جميل، يرتل القرآن، لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا و
الملخص:
هو اللهو واللغو والباطل والزور والمكاء والتصدية ورقية الزنى وقرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب والصوت الأحمق والصوت الفاجر وصوت الشيطان ومزمار الشيطان والسمود.
أسماؤه دلت على أوصافه تبا لذي الأسماء والأوصاف
المحاضرة:
الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار.. الحمد لله الذي كرم الإنسان ورفع له المقدار.. وأصطفى من عباده المتقين الأطهار. ووفقهم للطاعات وصرفهم عن المنكرات.. وأعد لهم عقبى الدار.. أحمده سبحانه، فهو الذي خلق المنطق واللسان.. وأمر بالتعبد وطاعة الرحمن.. ونهى عن الغيبة ومنكر البيان.. فسبحانه من إله عظيم، يأمر وينهى ويفعل ما يشاء وينصب الميزان.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقب الليل والنهار. ونسأل الله أن يجعلنا من أمته، وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته..
أما بعد، أيها الإخوة والأخوات:
فهذه ألحان جرت إلى أشجان، وضحكات انقلبت إلى حسرات، وجلسات غمرت بالويلات. إنها عبرات أنشرها بين يدي أقوام تعلقت قلوبهم بالمعازف والألحان، وهاجت لها أحاسيسهم وتعلقت بها نفوسهم. أبعثها إليهم لأني أعلم أنهم مؤمنون موحدون، تشتاق نفوسهم إلى الجنات، ويعظمون رب الأرض والسموات.. هم خلان لنا وأحباب، بل إخوان لنا وأصحا. نرجو أن يجمعنا الله بهم في الجنات. ولئن كان الشيطان قد تغلب عليهم تارة، فهم أهل أن يغلبوه تارات. ولكن ماذا أقول؟ وبماذا أبدأ؟. نعم، ماذا أقول عن الغناء؟ صوت العصيان، وعدو القرآن ومزمار الشيطان، الذي يزمر به فيتبعه أولياءه. ماذا أقول عن الغناء؟ وهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن..
فلو رأيتهم عند سماع الغناء! وقد علت منهم الأصوات، وهاجت منهم الحركات، يتمايلون تمايل السكران، ويتكسرون تكسر النسوان.. وكم من قلوب هناك تمزق، وأموال في غير طاعة الله تنفق.. قضوا حياتهم لذة وطربا، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا. ماذا أقول عن الغناء؟ وما أدمن عليه عبد، إلا استوحش من القرآن والمساجد، وفر عن كل راكع وساجد، وغفل عن ذكر الرب المعبود، واستأنس بأصوات النصارى واليهود، وابتلي بالقلق والوساوس، وأحاط به الضيق والهواجس.
فسل ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا..
وحاذر ان شغلت به سهاما مريشة بأهداب المنــايا..
اذا ما خالطت قلبا كئيبا تمزق بين أطباق الرزايا..
ويصبح بعد أن قد كان حرا، عفيف النفس، عبدا للصبايا.
ماذا أقول عن الغناء؟ وقد تغلب على بعض العقول وطغى، وزاد في الضلال وبغى.. فلو سألت بعض الناس اليوم عن النبي عليه الصلاة والسلام، عن سنة من سننه، أو هدي من هديه، أو طريقة منامه أو استيقاظه وأكله، لقال لك لا أدري. نعم! ومن أين له أن يدري، وهو يعكف على هذه الأغاني آناء الليل وأطراف النهار. يدري عن المغنية فلانة: كيفية أكلها، لون ثوبها، مقاس حذائها، عدد حفلاتها، أسماء ملحنيها.. ويدري عن المغني فلان: عن سيارته، عدد أشرطته، ألحان أغنياته.. وكأن أحدهم عالم جليل! أو داعية نبيل! وما خلق الله العباد لأجل غناء وفساد، وإنما خلقهم ليعبدوه، ويحموا الدين وينصروه. ومن عاش عيش المؤمنين ورفع راية الدين، لم يلتفت إلى شيئ من ذلك. نعم، لم يلتفت إلى رقص راقص، ولم يستفزه عزف عازف، بل أدرك سر وجوده في الحياة، فعاش لأجله ومات. وانظر إلى الذين يعيشون للإسلام، يحيون من أجله ويموتون من أجله.. يسكبون دماءهم فداء له.. أقوام صالحون فضلاء، طلقوا الدنيا وخافوا الفتن، بذلوا لربهم حياتهم وأنفقوا له أموالهم، وأذلوا بين يديه جباههم وفارقوا لأجله أوطانهم، يأخذ ربهم من دمائهم، يغسل بها سيئاتهم، ويطيب حسناتهم. وانظر إلى صهيب الرومي، رضي الله تعالى عنه، كان من أول من أسلم في مكة، فازداد عليه عذاب المشركين وأذاهم، كما ازداد على إخوانه المؤمنين. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، اشتاق صهيب إلى أن يهاجر إليه. فلما شكت قريش في أمره، جعلوا عنده من يحرسه بالليل والنهار. يخرج معه في نهاره ويبيت عنده في ليله. فلما كان في إحدى الليالي، اشتاق أن يخرج إلى المدينة، وأن يصلي مع المسلمين ويذكر الله مع الذاكرين، لكنه لا يستطيع مع وجود هؤلاء الحرس حوله، فلما نام تلك الليلة، تصنع أمام الحرس أنه يريد الخلاء، فخرج معه بعضهم يحرسه. خرج إلى خلائه، فلبث قليلا كأنه يقضي حاجته ثم رجع. فلبث قليلا في فراشه، ثم قام كأنه يريد الخلاء، فقام معه الحرس، ثم عاد، فلبث قليلا ثم قام كأنه يريد الخلاء، فلما
قام أربع مرات أو خمسا، قال بعضهم لبعض:"إن اللات والعزى قد شغلته ببطنه الليلة، فلا عليكم أن لا تقوموا معه"، فقام بعدها، مرة ومرتين وثلاثا، فلم يقوموا وراءه.. حتى إذا أمنوا أنه سيرجع إليهم، خرج في المرة السابعة أو الثامنة، ثم لازال هاربا من مكة خارجا منها، فلما أبطأ عليهم، نظر بعضهم إلى بعض، قالوا " قوموا التمسوا خبره!"، فخرجوا إليه إلى موضع خلائه فلم يجدوه.. فعلموا أنه قد احتال عليهم ، فخرجوا وركبوا على خيولهم، ثم أدركوه على حدود مكة.. فلما رآهم مقبلين عليه ، رضي الله تعالى عنه، رقى على ثنية جبل، ثم نثر أربعين سهما بين يديه، ثم أخذ سهما منها ووضعه في كبد القوس ثم شده وصاح بهم وقال:" يا معشر قريش!! قد علمتم أني أصوبكم رميا، ووالله لا يصل إلي رجل منكم إلا وقد وضعت في صدره سهما! فماذا تريدون مني بعد ذلك إذا قتلت منكم أربعين رجلا؟"، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا:"قد صدقكم الرجل"، فقال" هل لكم في شيئ خير من ذلك؟"، قالوا: "نعم"، قال: "أدلكم على موضع أموالي في مكة، فتذهبون إليها، فتأخذونها وتدعونني أذهب بنفسي إلى المدينة"، قالوا له" نعم"، قال:" فاذهبوا إلى بيت كذا وكذا، فاحفروا تحت أسكفة الباب، تجدون مالا، خذوه، واذهبوا إلى فلانة، فإن عندها حللا لي، خذوها. واذهبوا إلى فلان، فإن عنده مالا لي، خذوه.." ولازال يبين لهم مواضع ماله في مكة، حتى نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنه لبيع رابح أن نأخذ هذا المال!"، ثم مضوا إلى مكة، ومضى هو رضي الله تعالى عنه إلى المدينة. لازال يحمله الشوق ويحدوه الأمل في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فترك ماله وترك ذلك الوطن، وذلك المال الذي جمعه بكد الليل وتعب النهار، لكنه مع ذلك، مادام دينه قد سلم، فالأمر عند ذلك أهون. حتى إذا وصل إلى المدينة، أقبل إلى مسجدها ودخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام مقبلا أشار إليه ثم قال:"ربح البيع أبا يحي، ربح البيع أبا يحي، ربح البيع أبا يحي!"(مستدرك الحاكم)[1]، ثم جلس وأنزل الله تعالى فيه قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207). أنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة. ولماذا لا يكون جزاؤه كذلك، وهو الذي لم يلتفت إلى لهو ومعازف، ولم يدنس دينه ولم يقارف، وإنما سمت نفسه إلى سماع كلام الرحمن والتقلب في الجنان، قال الله عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(الحديد: 12)، وعند أحمد بسند حسن، عن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه يوما، وذكر الحديث، وفيه أنهم لما برزوا خارجين من المدينة، إذا براكب يوضع نحوهم، فصوب النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم التفت إلى أصحابه وقال: ""كأن هذا الراكب إياكم يريد"،فلم يلبث أن وقف هذا الراكب على البعير بين أيديهم، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين أقبلت؟"،قال: "أقبلت من أهلي وولدي وعشيرتي"، قال: "فأين تريد؟"،قال: " أريد المدينة، أريد هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي"، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أصبته"،فابتهج الرجل وتهلل وجهه، قال" أنت رسول الله؟"، قال: "نعم"،قال" يا رسول الله، علمني ما الإيمان؟"، قال: "أن تشهد أن لا إلهإلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وأتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت"، قال الرجل: "قد أقررت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله". فما كاد الرجل يتم إقراره بالإسلام، حتى تحرك به بعيره، فدخلت يد البعير في جحر جرذان، فهوى البعير وهوى الرجل من فوقه، فوقع على هامته.. ومازال ينتفض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "علي بالرجل!"، فوثب إليه عمار وحذيفة، فأقعداه فلم يقعد، حركاه فلم يتحرك، كلماه فلم يجب، قال: ا"يا رسول الله، قُبض الرجل"، مات.. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ثم أعرض عنه فجأة، ثم التفت إلى حذيفة وعمار وقال: "أما رأيتما إعراضي عن الرجل؟"،قالا: "بلى"، قال: "فإني رأيت ملكين يدسان في فمه من ثمار الجنة، فعلمت أن الرجل قد مات جائعا""(مسند احمد).
نعم، أقوام عرفوا للخالق حقه وصدقوا في حبه، وتنعموا بقربه، وشكروا له نعمته.. كلما ازدادت نعم الله عليهم، ازدادوا بفضله شكرا، وله حبا وتعبدا. أقبل رجل إلى ابراهيم بن أدهم، قال: "يا إمام، إن نفسي تدفعني إلى المعاصي، فعظني موعظة"، قال ابراهيم: "إذا دعتك نفسك إلى معصية الله، فاعصه ولا بأس عليك.."، قال:" سبحـان الله، أعصي الله!!!"، قال: "نعم، إذا دعتك نفسك إلى المعصية، اعصِِ ولا بأس عليك، ولكن لي عليك خمسة شروط"، قال: "وما هي؟"، قال له ابراهيم: "إذا أردت أن تعصي الله، فاختبئ في مكان لايراك الله فيه"، قال الرجل: " سبحان الله!! كيف أختفي عنه وهو الذي لا تخفى عليه خافية!"، قال ابراهيم: "سبحان الله! ألا تستحي أن تعصي الله وهو يراك!"، فسكت الرجل ثم قال: "زدني" قال ابراهيم: "إذا أردت أن تعصي الله، فلا تعصه فوق أرضه"، قال الرجل:"سبحــان الله، وأين أذهب وكل ما في الكون له!"، قال ابراهيم: " ألا تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه!"، قال الرجل: " زدني"، قال ابراهيم" إذا أردت أن تعصي الله، فلا تأكل من رزقه"، قال الرجل: " سبحـــــان الله، وكيف أعيش وكل النعم من عنده؟"، قال ابراهيم: " ألا تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك!"، قال الرجل: "زدني"، قال ابراهيم: " فإذا عصيت الله، ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار، فلا تذهب معهم"، قال الرجل:" سبحـــــان الله، وهل لي قوة عليهم؟؟ إنما يسوقونني سوقا"، قال ابراهيم: "فإذا قرأت عليك ذنوبك من صحيفتك، فأنكر أن تكون فعلتها"، قال الرجل: " فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون، وهل أصدق ويكذبون...!"، ثم بكى الرجل وهو يقول: "أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون؟". نعم، هؤلاء أقوام تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان، وتعلقوا بنعيم الجنان، لم يفلح الشيطان في جرهم إلى شهوات ولا مجالس منكرات.. زمّر الشيطان لهم فلم يتبعوه، وصاح بهم فلم يجيبوه، فصاروا من عباد الله المخلصين. واستمع إلى ما حكاه الله عز وجل عن الشيطان لما عصى أمر الرحمن وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام، فطرده الرب من الجنان، وحكم عليه بالنيران، فحقد الشيطان على آدم وذريته، وقال لرب العالمين: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء: 62)،ثم قال الله عز وجل{قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا}(الإسراء: 63)ثم بيّن الله تعالى الطرق التي يضل بها الشيطان بني آدم، فقال عز وجل:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}(الإسراء: 64)،وصوت الشيطان هو الغناء، يحضر معه الشيطان، ويغلب على الإنسان. فما بالك إذا اقترن بكلمات رقيقة! وألحان صفيقة! فهو أهل عند ذلك أن يغلب على الألباب. طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يرسل إليه رسولا عاقلا، فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاني، فلما أقبل الباقلاني على مجلس الملك، أمروه أن يدخل راكعا، فأبى عليهم، قال: "والله لا أركع إلا لله"، عندها دخلوا على الملك وقالوا له:"يا أيها الملك، إن الرجل أبى أن يدخل بين يديك راكعا، وإن رآه الناس غير راكع، استخفوا بأمرك"، فقال لهم الملك: "أدخلوه من الباب الآخر"، وكان بابا صغيرا لابد لمن أراد أن يدخل منه أن يحني رأسه، فلما أقبلوا به على ذلك الباب، فهم مرادهم، فولى الباب ظهره ودخل يمشي القهقرة على قفاه. ثم اعتدل ووقف أمام الملك. فلما رأى الملك فطنته وعقله، أمر عازفا عنده أن يضرب بآلة معه، وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها وطرب واهتز. فلما ضرب العازف بآلته وسمعها الباقلاني، التفت إلى الناس فإذا هم يتمايلون! فلما رأى ذلك، مال على إصبع يده أو رجله واجتهد حتى جرحه ونزف منه الدم، فأشغله ألم الجرح عن السماع، خوفا من تسلط الشيطان..! ورأت عائشة رضي الله عنها رجلا يحرك رأسه طربا يمنة ويسرة فقالت" أُفْ، شيطان! شيطان! أخرجـوه!!". نعم، صوت الشيطان هو الغناء. ألا ترى أنه يثير الغرائز والآثام؟ ويدعو إلى الإختلاط وأنواع الحرام.. ولعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا.. وكم من حر صار به عبدا للصبيان والصبايا.. وكم من غيور تبدل به اسما قبيحا بين البرايا.. وكم من غني أصبح به فقيرا بعد المطارف والحشايا.. وكم من معافى أحل به أنواع البلايا... بالله عليكم أيها العقلاء، هل سمعتم مغنيا غنى يوما عن التحذير من الزنى وشرب المسكرات؟؟ هل سمعتم مغنيا غنى يوما عن الأمر بغض البصر والعفة عن الشهوات؟؟ أو في حفظ أعراض المسلمين؟ أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين؟؟ كلا.. والله ما سمعنا بشيئ من ذلك، بل يبدأ أغنيته بقوله"يا حبيبي" "يا بعد روحي"، ثم يصف الخد والقد، والعينين والوجنتين، وهذا ظاهر لكل من تأمل في الأغاني، بل ظاهر لكل من نظر الى أسماء الأغاني، أغنية بعنوان "آه يا زين"،
وأخرى" آخر غرام"، وثالثة "الهوى ما هو كلام"، ورابعة "ليلة مع حبيبي"، "سألت علي بحبها" "يا أهل الهوى" "آه يا ويلي"... وما تكاد تسمع فيها إلا الحب والغرام، والعشق والهيام، مع ما فيها من فتنة الرجال بأصوات النساء! وفتنة النساء بأصوات الرجال! ومع ما فيها من تغنج ودلال.. وإنك لتعجب وتعجبين، إذا علمت أن قول الله تعالى للمؤمنات:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}(النور:31)،معناه أن لا تضرب المرأة الأرض برجلها بقوة وهي تلبس خلاخل في قدميها، حتى لا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون.. عجبا! إذا كان سماع الرجل صوت حلي المرأة حراما! فما بالك بمن تغني وتتمايل، وترفع صوتها بالضحكات والهمسات.. كيف بمن تتكسر في صوتها؟؟ وتتميع في كلامها؟ تتأوه وتتغنج، فتثير الغرائز والشهوات، وتدعو إلى الفواحش والمنكرات، وهذا كله من إشاعة الفاحشة في اللذين آمنوا، وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ما هو جزاءهم؟، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النور: 19)، وهذا الوعيد في الذين يحبون فقط، مجرد محبة، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة. فكيف بمن يعمل على اشاعتها!؟، لذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الغناء رقية الزنى"، أي هو طريقه ووسيلته.. عجبا!! هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات، لما كان الغناء بالدف والشعر الفصيح، ويقول ابن مسعود هو رقية الزنى!! ليس فيه رقصات ولا لمسات ولا همسات، ويقول رقية الزنى! فماذا يقول ابن مسعود لو رآى زماننا هذا!!! وقد تنوعت الألحان وكثر أعوان الشيطان.. أصبحت الأغاني تسمع في البر والبحر، والسيارات والطائرات، والمطارات وألعاب الأطفال وأجهزة الجوال... فالغناء والله هو رقية الزنى، وداعية الخنى، ومزمار الفساد وضلال العباد. ذكر ابن خزامة في التوابين، أن رجلا عابدا، مر يوما ببيت، فسمع جارية تغني داخل البيت، فوسوس إليه الشيطان، فبطّأ خطاه ليسمع. فرآه صاحب الدار، فخرج إليه ثم قال: "هل لك أن تدخل فتسمع؟"، قال: "أعوذ بالله". فلم يزل به حتى وافق وقال: "أقعدني في موضع لا أراها فيه ولا تراني"، قال صاحب الدار: "نجعل بينكما سترا."، فدخل وجلس خلف الستر، فتغنت وتغنجت، وتأوهت وضربت بسلاح الشيطان، فأعجبته واشتاق إليها، فقال صاحب الدار: "هل أكشف الستر؟"، قال:"لا!!"، فلم يزل به حتى كشفه فرآها! فاجتمعت فتنة السمع والبصر، فلم يزل يسمع غناءها حتى شغفت به وشغف بها، فأصبح في كل يوم يستمع إليها، وافتضح أمره وأمرها.. فلما تمكن الشيطان منه ومنها، قالت له يوما: "أنا والله أحبك!"، قال:" وأنا أحبك.."، فدعته إلى الفاحشة، وقالت: "ما يمنعك! فوالله إن الموضع لخال"، فانتفض وقال: "بلى، ولكني لا آمن أن أفاجأ بالقضاء، ثم بجمر كاللظى، ثم بسياط وزقوم، وتهويل ورجوم"، ثم نهض من عندها وعيناه تذرفان، فلم يرجع إليها بعد. فانظر كيف كاد يهلكه
الشيطان بسماع المعازف والألحان. وقال علي ابن الحسين: " كان لنا جار من المتعبدين، قد برز في الاجتهاد، صلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه وسألوه أن يتزوج حتى تسري عنه الزوجة قليلا.. فخشي أن يتزوج حرة فتشغله عن طاعة ربه، فاشترى جارية يقضي منها وطره، وكانت مغنية وهو لا يعلم. فبينما هو ذات يوم في محرابه يصلي، رددت الجارية أبياتا ولحنتها ورفعت بالغناء صوتها! فسمعها وهو في محرابه، فطار صوابه، وثقلت عليه صلاته فقطعها. فأقبلت الجارية عليه، قالت:" يا مولاي، قد أبليت شبابك، وأتعبت حياتك ورفضت لذاتك، فلو سمعت غنائي وتمتعت بشبابي؟"، فمال إلى قولها واشتغل باللذات عما كان فيه من الصلوات، فبلغ ذلك بعض أصحابه العباد، فكتب إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة القرآن والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية، بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وميتم الأولاد والبنات. فكأنه قد جاءك على غرة، فأبكم منك اللسان، وهدّ منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واستوحشك الأهل والجيران"، ثم طوى الكتاب وبعثه مع غلام عنده. دخل عليه الغلام، فناوله الكتاب، وهو في مجلس سروره وغناءه، فلما قرأ الكتاب، انتفض وغص بريقه، ونهض مبادرا من مجلس سروره.. وكسر آنيته وهجر مغنيته، وتاب من الغناء، وتعبد لرب الأرض والسماء. فلما مات، رآه صاحبه في المنام، قال:" يا فلان، ما فعل الله بك؟"، فقال: " قدمنا على رب كريم، أباحنا الجنات بما فيها". نعم، أباحه الجنات بما فيها.. وكم من شاب تعلق قلبه بمغنية فاجرة، يهتز فؤاده كلما سمع صوتها أو رأى صورتها.. وكم من فتاة عفيفة، سمعت مطربا فاجرا، فاشتاقت إلى صوته وصورته.. ولا تعجب إذا رأيته أو رأيتها يعلقون الصور، ويجمعون الأشرطة، والقلب يهوى ويتمنى..
فيا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت
لا تعجبن، فهكذا يجني الغناء على القلوب
بل قد قرن النبي عليه الصلاة والسلام بين الغناء والخمر والزنى، فقال فيما رواه البخاري"ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر- يعني الزنى-والحرير والخمر والمعازف"(صحيح البخاري)[2]،ومعنى يستحلون، أنهم يفعلون هذه المحرمات فعل المستحل لها، بحيث يكثرون منها ولا يتحرجون من فعلها، أو أنهم يبحثون عمن يفتيهم بحِلها. وصح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه وشق جيوب"(سنن الترمذي)[3]،فسمى الغناء صوتا أحمقا فاجرا لأنه لأهل الحمق والفجور. وسئل ابن مسعود عن قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}(لقمان:6)، قيل: " ما هو لهو الحديث؟"، فقال: " والله الذي لا إلهإلا هو إنه الغناء"، وصدق ابن مسعود وإن لم يقسم. وسئل محمد ابن الحنفية عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (الفرقان: 72)، قيل له: "ما هو الزور؟"، قال: "هو الغناء، لأنه يميل بك عن ذكر الله"، وقال تعالى لكفار قريش: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (النجم: 59-61)، قال ابن عباس: "سامدون أي مغنون"، تقول العرب"اسمد لنا"، أي غنِّ لنا. ووصف الله تعالى أحوال عباد الأصنام عند البيت الحرام، فقال عز وجل {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً}(الانفال:35)،والمكاء والتصدية نوع من المعازف، وهو التصفيق والتصفير. ومن عظم خطر الغناء، توعد النبي عليه الصلاة والسلام سماع المعازف بالمسخ والقذف، فروى الترمذي بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ"، قيل: "يا رسول الله، متى؟"، فقال: "إذا ظهرت القينات والمعازف واستحلت الخمر،وقال صلى الله عليه وسلم:"ليكونن من أمتي أقوام يشربون الخمر ويعزف على رؤوسهم بالقيان، يمسخهم الله قردة وخنازير"،والقيان جمع قينة وهي المرأة المغنية. سيعاقب الله هذه الأمة بما عاقب به الأمم من قبلنا، أن يخسف الله بهم الأرض أو يمسخهم قردة وخنازير، أو تنزل عليهم حجارة من السماء، فمتى يكون ذلك؟، يكون إذا ظهرت المعازف وانتشرت وكثرت، وها هي آلات المعازف لا تكاد تحصى عددا، بل هاهي مدارس العزف والموسيقى تنتشر في كثير من بلاد المسلمين، وهاهن المغنيات، المائلات المميلات، يحركن الشهوات، بل هاهم الأعداء يفتكون بأرواح الثكالى ويعبثون بأعراض العذارى، وفريق من قومنا في لهوه وطربه، لا يجاهد مع مجاهدين، ولا يهتم بأمر المسلمين.
العزف والرقص والمزمــار عدتنـــــا..
والخصـــم عدتـه علـــم وآلات..
تقـود أمتــنا بالحـــرب غانيــــة..
والجيش في الحـــرب قد ألهته مغـناة..
كـم بددوا المــال هدرا في مباذلـــهم..
وفي ليــــالي الخنى ضاعت مروئــات..
نعم ، هذا شكل الغناء. ولم يبق إلا أن يتحقق الوعيد في الخسف والمسخ والقذف بالحجارة والحديد. ومن تتبع الكتاب والسنة، وجد أن للغناء أسماء عدة، كلها تدل على ضلاله، فهو اللهو واللغو والباطل والزور والمكاء والتصدية ورقية الزنى وقرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب والصوت الأحمق والصوت الفاجر وصوت الشيطان ومزمار الشيطان والسمود.
أسمــاءه دلــــــــت على أوصافه..
تبــــا لذي الأسمـــاء والأوصاف..
وقد تكاثر وتواتر كلام الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار في التحذير من الغناء. ففي المسند أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج يوما في حاجة، فمر بطريق فسمع زمارة راع، فوضع اصبعيه في
أذنيه حتى جاوزه... فقل لي بالله عليك، أزمارة راع أولى بالتحريم والترك، أم هذا الغناء الذي يتغنجفيه المطرب والمطربة، فيفتن القلوب ويشغل الأرواح عن علام الغيوب!!؟. وقال عمر ابن عبد العزيز لأبناءه: "أحذركم الغناء، أحذركم الغناء، أحذركم الغناء! فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن". وكتب إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك، بُغض الملاء التي مبدأها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن. وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: "يا ابن عباس، أرأيت الغناء، أحلال هو أم حرام؟"، رجل يسأل عن غناء الأعراب في البوادي، الذي ليس فيه معازف، وليس فيه تصوير ولا (فديو كليب) ولا لباس عار ولا رقصات فاتنة ولا رقصات ماجنة! غناء الأعراب في البدو.. "هل يجوز يا ابن عباس؟"،"هل هو حلال أم حرام؟"، فقال ابن عباس: "أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟"، فقال الرجل" يكون مع الباطل"، فقال ابن عباس: "فماذا بعد الحق إلا الضلال!، اذهب فقد أفتيت نفسك". أما أبو بكر، فكان يسمي الغناء مزمار الشيطان. وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء، فقال: "ما يفعله عندنا إلا الفساق". وسئل الإمام أحمد عن الغناء فقال: " الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني"، والشافعي سماه دياثة وأبو حنيفة أفتى بالتحريم.فالغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن، نعم، كيف لا وهو يحرك النفوس إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان وهما في القبائح فرسا رهان. فإذا سمعه أحد قل حياءه وفرح به شيطانه واشتكى إلى الله إيمانه وثقل عليه قرآنه، وتراه يميل برأسه ويهز بمنكبه ويضرب الأرض برجليه ويصفق بيديه، وتارة يتأوه تأوه الحبيب وتارة يصرخ كالمجانين، كما قال أحدهم لصاحبه:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على طيب الغناء إلى الصباح..
ودارت بيننا كأس الأغاني فأسكرت النفوس بغير راح..
فلم تر فيهم إلا سكارى سرورا، والسرور هناك صاح..
إذا نادى أخ اللذات فيهم أجاب اللهو حي على السفاح..
ولم نملك سوى المهجات شيئا أرقناها لألحاظ الملاح..
نعوذ بالله من هذه الأحوال. وقال يزيد بن الوليد"يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يذهب الحياء ويزيد الشهوة ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين، فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنى". وسمع سليمان بن عبد الملك -الخليفة- صوت غناء يوما،
فغضب وأحضر المغنين وقال: "إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة!"، يعني الذكر من الخيل يصهل فتسمعه الأنثى فتستعد للوطئ،" وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة، وإنّ التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة.."، ثم أمر بخصائهم ليحمي منهم النساء. وقال بعض السلف: "الغناء يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والخبث في قوم، والرقة -أي الميوعة- في قوم". بل كان العقلاء يترفعون عن الغناء، قال معمر ابن المثنى: "رحل الحطيئة الشاعر مع بناته، فجاور قوما من بني كلب، فخافوا أن يرى منهم شيئا يكرهه فيهجوهم، فأتوه فقالوا: "يا أبا مليكة، إنه قد عظم حقك علينا بتخطيك القذى إلينا، فامرنا بما تحبه فنأتيه، وامرنا بما تكره فننهيه"، فقال"لا تأتوني كثيرا، فتملوني، ولا تسمعوني أغاني شفيفاتكم، فإن الغناء رقية الزنى"، يعني وإن عندي بنيات.
لذا أجمع العلماء على تحريم الغناء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإنهم متفقون- أي الأئمة الأربعة- على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه"، وقد حكى الإجماع على تحريم المعازف الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي وابن القيم وابن حجر الهيثمي وغيرهم. فهل بعد هذه الأقوال من قول في اباحة هذه الآفة؟؟ هل يؤخذ بعد ذلك قول أحد إلا أن يكون الدافع إلى ذلك الهوى والشهوة؟؟ نعوذ بالله من زيغ الهوى وتحكم الشهوات. أما الغناء اليوم، فهو والله أعظم وأطم، يقترن بالتصوير الفاضح للبغايا والمومسات، فما من مطرب إلا ويترنح حوله نفر من الراقصات، وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال، يتراقصون ويتمايلون.. فمن يجيز مثل هذا يا أمة الإسلام؟؟ من يجيز مثل هذا الإختلاط والسفور والرقص وتعرية النحور!!، إضافة إلى شرب الخمور والمسكرات في أغلب الأوقات، فلا يحلو الطرب والغناء إلا به، مع العري الفاضح والحضور الواضح للراقصات المحترفات والبغايا السافلات، وانتهاء هذه الحفلات غالبا يكون بجريمة الزنى. حتى وإن خلت هذه الحفلات من شرب الخمر ومن الإختلاط والزنى، فلا تخلو غالبا من إنفاق الأموال الطائلة في هذه المعصية للمطربين والمنظمين والعازفين، وايجار الصالات وتكاليف الحفلات، ظلمات بعضها فوق بعض، والله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}(الاسراء:27). فهل غناء السابقين أولى بالتحريم أم غناء اليوم؟؟ ابن عباس يحرم الغناء، ابن مسعود يحذر منه، جابر بن عبد الله يصفه باللهو، مسحول، مجاهد، ابن تيمية، ابن القيم، العلماء المعاصرون، كلهم يحذرون منه، كلهم يحرمونه. فبقول من تقتنع إن لم تقتنع بقول هؤلاء؟؟ وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه خادم اسمه أنجشة، يحدو للإبل لتسرع في سيرها، أي ينشد الأشعار الراقية الفصيحة بلحن لتسمعه الإبل فتنشط للمسير. وكان حسن الصوت، فلما حدا ورفع صوته، خشي النبي صلى الله عليه وسلم
على النساء آخر القافلة، فالتفت إليه ثم قال: "يا أنجشة، رويدك يا أنجشة، رفقا بالقوارير"، يعني النساء. قال ابن القيم: "والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب، أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وتفشت فيهم واشتغلوا بها، إلا سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالقحط والجذب وولاة السوء".
فدع صاحب المزمار والدف والغنـا..
وما اختاره عن طاعة الله مذهبا..
ودعـه يعش فـي غيه وضلالــه..
على تنتنا يحيى ويبعث أشيبــا..
وفي تنتنا يـوم المــعاد تسـوقـه..
إلى الجنة الحمراء يدعى مقربــا..
سيعلم يوم العرض أي بضاعة أضاع..
وعند الوزن ما خف أو ربـا..
ويعلم ما قد كـان فيه حيـــاته..
إذا حصلت أعماله كلها هبــا..
دعــاه الهدى والغي من ذا يجيبه..
فقال لداعي الغي أهلا ومرحبـا..
وأعرض عن داعي الهدى قائلا له..
هواي إلى صوت المعازف قد صبا..
يراع ودف بالغناء وراقـــص..
وصوت مغن صوته يقنصالظبى..
إذا ما تغنـى فالضبــاء تجيبــه..
إلى أن تراها حوله تشبه الذبى..
فما شئــت من صيد بغير تطـارد..
ووصل حبيب كان بالهجر عذب..
فيا آمري بالرشد، لو كـنت حاضرا..
لكان تواري اللهو عندك أقرب..
أما كلمات الأغاني، فهي أعجب! فيها من المحادة لله ورسوله، ومن الشرك الأكبر والأصغر ومن التعدي على الرسل الكرام والإعتراض على رب العالمين وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، الشيئ الكثير.. وهو يسمع ويذاع. فقد لحنوا الكفر الصريح، كما في قصيدة الشاعر النصراني الذي يقول: "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت، وسأبقىسائرا فيه شئت هذا أم أبيت، كيف جئت، كيف أبصرت طريقي؟، لست أدري". وتقول قائلتهم في أغنيتها" لبست ثوب العيش ولم أُستشر"- يعني خلقني ربي ولم يستشرني قبل أن يخلقتي-، والله يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ}(القصص:68).
كما أنهم يصرحون بعبادة المحبوب ولأجله يعيشون في الدنيا، بل إنهم يقولون أنهم ما خلقوا في هذه الدنيا إلا من أجله. قال قائلهم: "عشت لك وعلشانك"، والله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162). وتجد من المغنين من يصرح أثناء أغنيته بعبادة المحبوب، كقول أحدهم"أعشق حبيبي، واعبد حبيبي"، وآخر يقول: "أنا أعبدك"، وآخر يقول في أغنيته"الحب بالشرع فرض على الجميع ارتياده!" "قلت المحبة عندي لو تعلمين عبادة"، وبعضهم ينافي ويضاد ويكذب على رب العباد، يقول أحدهم في أغنيته: "الله أمر- بالصلاة والصوم؟؟لا، بقراءة القرآن؟؟؟لا..- الله أمر لعيونك أسهر!"، سبحان الله،
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(الاعراف:28).أما اعتداؤهم على أنبياء الله ورسله، فاسمع إلى أحدهم وهو يصف أثناء أغنيته موقفه لما فارقه محبوبه وكيف كان حزنه عليه، يقول أثناء الأغنية: "صبرت صبر أيوب، وأيوب ما صبر صبري"، اعتداء فاحش على ذاك النبي الذي ابتلاه الله سنوات طويلة فصبر، حتى قال الله عنه{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(ص:44)، أما الإعتراض على القضاء والقدر ولوم رب العالمين، فلهم فيه النصيب الأوفر.. يقول قائلهم في أغنيته: "ليه القسوة ليه؟ ليه الظلم ليه؟ ليه يا رب ليه؟"، هكذا! يتهم الله عز وجل بالقسوة والظلم، وهذا المغني هو الآن تحت أطباق الثرى.. الله أعلم ماذا يفعل به، نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة. ومنهم من يصرح أنه مستعد للذهاب إلى جهنم مادام مع محبوبته! وكأن الجنة والنار تحت تصرفه. يقول أحدهم في أغنيته: " يا تعيش واياي في الجنة، يا أعيش واياك في النار، بطلت أصلي وأصوم، بدي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلاوأنا وياك". وآخر يقول في أغنيته:"علشانك انتِ أنكوي بالنار وألقح جثتي، وأدخل جهنم وأقول يا لهوتي". وثالث يقول في أغنيته: "خديلك الجنة واعطيني النار، مادام هذا كل ما تشتهينه". ومغنون يستهزؤون بالعبادات والصلوات كقول أحدهم: "صوتك ذكرياتي وعدتي وصلاتي!". بل حتى منزلة الشهداء اللذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، ادعوا الوصول إليها بالغناء، كما يقول أحدهم: "يا ولدي، قد مات شهيدا من مات فداءا للمحبوب!". بل لهم مخالفات في العقيدة، كقول أحدهم: " جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب، قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب"، اشتمل هذا الكلام على جلوس هذا الفاجر مع امرأة كاهنة مشعوذة تقرأ الفنجان وتدعي علم الغيب، بل اشتمل على الكذب على الله في أنه كتب الحب على هذا الرجل. وفي أغانيهم من الإستغاثة بغير الله ونداء الأموات الشيئ الكثير. يقول قائلهم وهو يصف لما فارقه المحبوب وماذا فعل، يقول: "فقلت مدد يا نبي مدد"، أما الحلف بغير الله فهو كثير، كقولهم في أغانيهم: "وحياتك وحياة عينيك"، وآخر يقول في أغنيته، "ماقدرش على كده ومقام السيدة"، يحلف بقبر السيدة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"(مسند أحمد).ويشيع عند المغنين سب الدهر والساعة والزمان والعمر، كقولهم: "الله يلعن اليوم، ملعونة الساعة"، وقول الآخر: "كتاب حزين كله مآسي، جابني في زمن غدار قاسي" والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تسبوا الدهر"(صحيح مسلم)[4].ثم هم يعتدون على ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال أحدهم في أغنيته: "الفرح مسطر غلط مكتوب" يعني أن الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ غلط! كان سيكتب فرحا وكتب حزنا. وتأمل في قول كوكب الشرق وهي تغني وتقول: "ما أضيع اليوم الذي مر بي -من غير أن أصلي وأصوم؟ لا، من غير أن أتقرب إلى الله؟ لا...- تقول: " ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى وأن أعشق"، تتحسر على اليوم الذي مر بها دون أن تهوى وأن تعشق!! وفي بعض الأغاني استخفاف بالقبر والموت، هذا مطرب مشهور يقول في احدى أغنياته: "أوصي أهلي وخلا ني حين أموت، يضع في قبري ربابة وعود"، بل منهم من يكفر فيستهزئ بالقرآن، ويغني بكلام الرحمن، ويضرب عليه بمزمار الشيطان! بعضهم قد يغني السورة كاملة، كما غنى بعض فجارهم سورة الزلزلة! ومنهم من غنى سورة الكافرون!! ومنهم من غنى سورة الفاتحة... وأحيانا يدخلون بعض الآيات خلال الأغنية، كقول أحدهم في أغنيته: "حبك سقر وما أدراك ما سقر". وكل هذا الكلام مسجل في أشرطة. هذا بعض ما يقال، أيها العقلاء. لقد اعتدى هؤلاء المغنون على الشريعة، وما أبقوا عزيزا إلا أذلوه، ولا غاليا إلا لطخوه. أصلا أيها العقلاء، لو تأملتم من الذي يكتب كلمات الأغاني، من الذي يكتبها؟، ابن تيمية؟؟ ابن القيم؟ ابن باز؟ ابن العثيمين؟ الألباني!!، كتب كلماتها في الغالب شاعر فاجر، إما عاشق ماجن أو فاسق خائن أو ضال لا يسجد لله سجدة.. وقد يكتب الكلمات نصراني ويلحنها يهودي ويعزف عليها بوذي ويغنيها فاجر أو فاجرة. وإن شئت فانظر إلى أشرطة الغناء، واقرأ أسماء المغنين، ستجد من بينهم نصارى، سواء من نصارى العرب أو غيرهم، وستجد لا دينيين، وستجد فجرة كفرة، لا يصلون ولا يعظمون الدين. ولولا الحرج والله لذكرت لكم بعض أسمائهم. أيها الأحبة الفضلاء، هذه أحوال الغناء وأهله، طرب ومزمار وفضائح وأسرار، وغفلة بالليل والنهار. ومما يعين المرء على التوبة من الغناء، وطاعة رب الأرض والسماء، الرغبة في دار أخرى، فيها متع عظيمة، والتفكر في السماع في دار القرار فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه، منعه من الاستمتاع هناك. قال صلى الله عليه وسلم:"من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"[5].
فلا يكاد يجمع للعبد بين لذائذ الدنيا المحرمة ولذائذ الآخرة الدائمة، فمن تلذذ في الدنيا بشرب الخمر ولبس الحرير وسماع الغناء، خشي عليه أن يحرم من هذا كله في الآخرة. ومن تعلقت نفسه بالجنات وما أعد الله فيها من المتع، هانت عليه جميع متع الدنيا، قال الله تعالى{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}(الروم: 14-15)، يحبرون: الحبرة هي اللذة والسماع. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام، فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الأغصان بكل لهو كان في الدنيا. وقال محمد بن المنكدر: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ أين اللذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك. ثم يقول للملائكة أسمعوهم تمجيدي وتحميدي". قال ابن عباس"
ويرسل ربنا ريحا تهز دوائب الأغصـــــــان..
فتثيرأصواتا تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان..
يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيـدان..
وأهل لذياك السماع فانه ملئت له الأذنان بالإحسان..
وا هل لذياك السماع وطيبه من مثل أقمار على أغصان..
وأهل لذياك السماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان..
وأهل لذياك السماع ولم أقل ذياك تصغيرا له بلسـان..
وقال شهر بن حوشر رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه يقول للملائكة إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من أجلي، فأسمعوا عبادي"، قال: "فيأخذون بأصوات من تسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط"، ولهم سماع أعلى من هذا كله، يضمحل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وسلامه عليهم وخطابه ومحاضرته لهم، ويقرأ عليهم كلامه فإذا سمعوه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك،
فنزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغناء عن هذه الألحان..
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا يا ذلة الحرمان..
ان اختيارك للسماع النازل أدنى على الأعلى من النقصان..
والله، ان سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان..
والله، ما انفك الذي هو دأبه أبدا من الإشراك بالرحمن..
فالقلب بيت الرب جل جلاله حبا واخلاصا مع الإحسان..
فاذا تعلق بالسماع أصاره عبدا لكل فلانة وفلان..
حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعان..
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقيده بشرائع الإيمان..
واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وانما القرآن قوت القلب أنا يستوي القوتان
يا لذة الفساق نفس كلذة الأبرار في عقل ولا قرآن..
فيا سامع الغناء، أيها المؤمن الموحد {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16).
يا سامع الغناء{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} (الأنفطار: 6-.
يا سامع الغناء{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور: 52-51).
يا سامع الغناء{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (البقرة: 281).
يا سامع الغناء تصور نفسك وأنت بين زملا ئك في لهو وطرب وإعراض ولعب، وفجأة خسف الله بكم الأرض أو مسخكم قردة وخنازير، كما توعد النبي عليه الصلاة والسلام أهل الغناء، فما موقفك؟، ما مصيرك؟، كيف يكون جوابك عند الجبار جل جلاله وأنت على هذا الحال؟
يا سامع الغناء، أرأيت لو سلب الله سمعك فصرت تقعد بين الناس، لا تدري عنهم إذا تكلموا، ولا تفهم مرادهم إذا ضحكوا، تتلفت بينهم بعينيك أو تشير لهم بيديك،{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6-7).
يا سامع الغناء أين المؤمنون {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2)، أين الذين إذا سمعوا حكم الله ذلوا وأطاعوا وأذعنوا وانصاعوا، أما تخشى سوء الخاتمة فتلقى الله سامعا أو مغنيا أو عازفا؟، وكم من أحد والله مات وهو يردد الأغاني. ذكر ابن القيم أن رجلا من أهل الغناء والمعازف حضرته الوفاة، فلما اشتد به نزع روحه قيل له :"قل لا إلهإلا الله"!!، فجعل يردد أبياتا من الغناء، فأعادوا عليه التلقين "يا فلان قل لا إله الا الله"، فجعل يردد الأغاني، فلما ثقل لسانه عن ترديد الكلمات، جعل يردد الألحان، يقول" تنتنا، تنتنا، تنتنا"، حتى خرجت روحه من جسده وهو إنما يلحن ويغني. وأما في عصرنا، قيقول أحد العاملين في أمن الطرق "كانت مهنتي الأمن ومراقبة السير، تعودت على مشاهدة الحوادث والمصابين. ذات يوم، كنت في دورية أراقب الطريق ومعي أحد الزملاء، وفجأة سمعنا صوت ارتطام قوي، التفتنا فإذا سيارتان قد ارتطمتا وجها لوجه بشكل مروع. أسرعنا لإ نقاذ المصابين. حادث لا يوصف، في السيارة الأولى شخصان في حالة خطيرة، أخرجناهما من السيارة والدماء تسيل منهما وهما يصيحان ويتأوهان. وضعناهما على الأرض. أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية، وجدناه قد فارق الحياة. عدنا للشخصين فإذا هما في حالة احتضار، هب زميلي يلقنهما الشهادة، اقترب منهما يقول"قولا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله" وهما يئنان ويتأوهان وصاحبي يردد: "لا إله إلا الله" وهما لا يستجيبان. حتى إذا بدأ بهما النـزع واشتد شهيقهما بدآ يرددان كلمات من الأغاني.. لم أستطع أن أتحمل الموقف، بدأت أنظر إليهما وأنتفض وصاحبي يكرر عليهما، يرجوهما: " قولا لا إله إلا الله" وهما على حالهما، حتى بدأ صوت الغناء يخف شيئا فشيئا.. سكت الأول، تبعه الثاني، لا حراك، فارقا الحياة. حملناهما إلى السيارة مع الميت الأول، أخذنا نسير بهؤلاء الموتى الثلاثة، وصاحبي مطرق لا يتكلم. فجأة التفت الي ثم حدثني عن الموت وحسن الخاتمة وسوئها، ثم وصلنا إلى المستشفى وأنزلنا الموتى ومضينا إلى سبيلنا. أصبحت بعدها كلما أردت أن أسمع الأغاني، برزت أمامي صورة الرجلين وهما يودعان الدنيا بصوت الشيطان. وبعد ستة أشهر وقع حادث عجيب، شاب يسير بسيارته سيرا عاديا، تعطلت سيارته في أحد الأنفاق، نزل من سيارته لإصلاح احدى العجلات. عندما وقف خلف السيارة لينزل العجلة السليمة، جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف، فسقط الشاب مصابا إصابات بالغة.. اتصل بعض الناس بنا، فتوجهت مع أحد زملائي إلى موقع الحادث سريعا، شاب في مقتبل العمر ممدد على الأرض عليه مظاهر الصلاح، إصاباته بالغة. حملناه معنا في السيارة، وكنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة كما فعل زميلي الأول.. عندما حملناه سمعناه يهمهم بكلمات تخالطها أنات وآهات.. لم نفهم منه شيئا، أسرعنا إلى المستشفى، بدأت كلماته تتضح، إنه يقرأ القرآن بصوت ندي! التفتنا إليه فإذا هو يرتل في خشوع وسكون، سبحان الله، الدم قد غطى ثيابه وقد تكسرت عظامه بل هو على ما يبدو على مشارف الموت.. أسرعنا المسير جدا، استمر يقرأ بصوت جميل، يرتل القرآن، لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا و
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى